السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كأنما يولد من جديد.. لعل هذا هو أكثر الأوصاف صدقا فيما يتعلق بحال المراهق، فبعد أن كان
ينمو بصورة هادئة رتيبة سواء على المستوى النفسي أو المستوى الجسدي، يحدث له قفزة شديدة
يتسارع فيها نموه الجسدي، وتسري في دمائه كميات كبيرة من هرمونات لم يعرفها
الجسم من قبل.. نعم إنها الهرمونات الجنسية التي تجعل الطفل شابا فتيا والطفلة أنثى ناضجة..
إنه البلوغ الجسدي الذي يرتبط بالنمو العقلي والنفسي لأبنائنا.
وكثيرا ما يسبق النمو الجسدي النمو النفسي والعقلي عندما لا تتخذ الخطوات المناسبة لحدوث التوافق المطلوب،
فنجد أولادنا في مرحلة المراهقة في حالة من الغضب والتوتر والانفعال، يحبون التحدي ورفض أي سلطة،
ويميلون لصنع عالم خاص بهم مليء بالأسرار التي يتحدثون فيها مع أصدقائهم وحسب،
والعديد من الآباء يقع في مصيدة رد الفعل فيرتفع صوته ويقدم نصائح جافة ممزوجة
بالسخرية والاستهزاء وربما التحقير، وتتزين أحيانا بحوار مزيف لا يغير من الواقع الحاد الملتهب.
إذن.. كيف نستطيع أن نحتوي ابننا المراهق أو ابنتنا المراهقة ونسعد بهم ونسعدهم معنا؟
حتى لا ندخل في دائرة جهنمية مع فلذات الأكباد نعاني فيها جميعا الأمرَّين؛ فنخرج منها منهكي القوى،
ومصابين بارتفاع ضغط الدم، نندب حظنا العثِر الذي أوقعنا في هذه النوعية من الأبناء المتمردين،
ويخرج أبناؤنا من فترة المراهقة مرهقين، ويشعرون بالغبن والظلم وافتقاد القلب المحب والعقل المتفهم،
وربما يخرجون بما هو أسوأ؛ فقد يلقون بأنفسهم في شباك مجموعة منحرفة تدمن المخدرات وتمارس الرذيلة،
وهو ما نسمع عنه ونقرأ عنه كل يوم، ولعله السبب الرئيس فيما نسلك من سلوكيات متشددة
وغير متفهمة في أحيان كثيرة.
الحوار الهادئ الصبور
علينا قبل كل شيء أن نعي خطورة المرحلة، وأن التربية فيها ليست قابلة للتجريب؛
فالمراهق شديد الحساسية أكثر بكثير من الطفل، وإحساسه بذاته مرتفع جدا؛
لذلك يجب أن نكون على درجة عالية من الحذر والاهتمام فلا نسمح لأعصابنا المرهقة أن تفسد
في لحظة مشروع عمرنا الجميل.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد سمير عبد الفتاح، مدير مركز البحوث النفسية بجامعة المنيا (مصر)،
إن "المراهق يحتاج إلى من يتفهم حالته النفسية، ويراعي احتياجاته الجسدية؛
ولذا فهو بحاجة إلى صديق ناضج يجيب عن تساؤلاته بتفهم وعطف وصراحة، صديق يستمع
إليه حتى النهاية دون مقاطعة أو سخرية أو شك، كما يحتاج إلى الأم الصديقة والأب المتفهم".
فالسلاح الأول هو الصبر والتفهم، لابد من تحمل الكثير من التفاهات والأخطاء، لابد من محاولة التفكير
بعقله الذي لم يصل لمرحلة النضج بعد، ولعل مما يفيد في ذلك تذكر مشاعرنا القديمة عندما كنا
في هذا العمر اندفاعنا الحاد.. مشاعرنا القوية.. عنادنا وإصرارنا.. خواطرنا التي كنا نفكر فيها
عندما نواجه بالرفض والإعراض أو السخرية والتهكم.
يدعو خبراء النفس الآباء إلى ضرورة التوقف الفوري عن محاولات برمجة حياة المراهق؛
فهم أبناؤنا نعم، لكن لهم ذواتهم المنفصلة ولديهم عقولهم الخاصة التي ينبغي لها أن تعمل وأن تبرمج حياتهم.
الحوار الهادئ
أما تربية المراهق فلابد أن تعتمد على آلية الحوار الهادئ الصبور.. الحوار الذي يحترم استقلالية المراهق وتفكيره،
نتحاور معه كما نتحاور مع الإنسان الناضج، ونتعامل معه كذلك أيضا، ولا تهتز هذه المعاملة أبدا،
حتى إن أخطأ المراهق نبين له بالحوار الخطأ، ولنتأمل جيدا هذا الحديث الذي يؤكد أن الحوار
هو المنهج الإسلامي الصحيح في التعامل مع الشباب الصغير؛
فعن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا.
فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا مه مه! فقال: ((ادنه)) فدنا منه قريبا. قال: فجلس. قال: ((أتحبه لأمك؟))
قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم)). قال: ((أفتحبه لابنتك؟))
قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك! قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم)).
قال: ((أتحبه لأختك؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم)).
قال: ((أتحبه لعمتك؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ((ولا الناس يحبونه لعماتهم)).
قال: ((أتحبه لخالتك؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم)).
قال: فوضع يده عليه،
وقال: ((اللهم! اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء))
[رواه أحمد بسند صحيح].
فهذا الشاب الصغير تحت وطأة الغريزة الجنسية العاتية والهرمونات الذكورية المتدفقة في دمه يرغب في
علاقات متعددة مع الجنس الآخر، لكنه يعلم أن هذا أمر محرم، فخطر بباله أن يسمح له النبي بذلك،
وتحت وطأة الضغط ذهب وتحدث مع النبي في الأمر تماما كما يأتيك ابنك المراهق ويحدثك بحديث وقح غير مناسب،
فما كان رد فعل النبي - الذي هو أسوتنا في التعامل مع المراهقين - لم يصفعه النبي - صلى الله عليه وسلم -
لم يقل له أيها الحقير ماذا تقول؟..
حافظ النبي على هدوئه وأدار حوارا مع هذا الشاب، وجعله يفكر في الأمر من جميع زواياه.
الحنان والتفهم
بعد ذلك وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده الشريفة على الشاب، ودعا الله له أن يطهر قلبه وأن يحصن فرجه،
وهذه هي الآلية الثانية في التعامل مع المراهق بعد الحوار الهادئ الصبور؛ أعني الحنان والتفهم،
فلمسة حانية صادقة كتلك التي وضعها النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدر الشاب تشبه
عمل السحر في قلوب الشباب.. تجعلهم يشعرون بفهمنا لهم.. إن الحب والحنان هو مفتاح
القلوب المغلقة والعقول المتمردة الشاردة.
وليكن واضحا تماما أن الحنان لا يعني الضعف، كما أن الحزم لا يعني السيطرة، فلابد من الحزم الحنون،
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتساهل مع الشاب في أمر الحلال والحرام، لكنه تفهم السؤال والدافع إليه،
وقدم له الجواب الشافي.. الفكر الذي يقنع، والتوجه لله بالعون على الحصانة،
والعزيمة التي تتولد من القلب الطاهر فتجعل هذا الشاب حازما مع نفسه لا يلتفت لحرام أبدا.
كلمة أخيرة أهمس بها للوالدين:
لابد أن نكون على يقين أن الله - عز وجل - هو من يهدي القلوب، فلابد من اللجوء إليه بالدعاء،
بل والإلحاح في الدعاء أن يكون أبناؤنا مثل يحيى بن زكريا
(وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) [مريم: 13-14)].
منقول
كأنما يولد من جديد.. لعل هذا هو أكثر الأوصاف صدقا فيما يتعلق بحال المراهق، فبعد أن كان
ينمو بصورة هادئة رتيبة سواء على المستوى النفسي أو المستوى الجسدي، يحدث له قفزة شديدة
يتسارع فيها نموه الجسدي، وتسري في دمائه كميات كبيرة من هرمونات لم يعرفها
الجسم من قبل.. نعم إنها الهرمونات الجنسية التي تجعل الطفل شابا فتيا والطفلة أنثى ناضجة..
إنه البلوغ الجسدي الذي يرتبط بالنمو العقلي والنفسي لأبنائنا.
وكثيرا ما يسبق النمو الجسدي النمو النفسي والعقلي عندما لا تتخذ الخطوات المناسبة لحدوث التوافق المطلوب،
فنجد أولادنا في مرحلة المراهقة في حالة من الغضب والتوتر والانفعال، يحبون التحدي ورفض أي سلطة،
ويميلون لصنع عالم خاص بهم مليء بالأسرار التي يتحدثون فيها مع أصدقائهم وحسب،
والعديد من الآباء يقع في مصيدة رد الفعل فيرتفع صوته ويقدم نصائح جافة ممزوجة
بالسخرية والاستهزاء وربما التحقير، وتتزين أحيانا بحوار مزيف لا يغير من الواقع الحاد الملتهب.
إذن.. كيف نستطيع أن نحتوي ابننا المراهق أو ابنتنا المراهقة ونسعد بهم ونسعدهم معنا؟
حتى لا ندخل في دائرة جهنمية مع فلذات الأكباد نعاني فيها جميعا الأمرَّين؛ فنخرج منها منهكي القوى،
ومصابين بارتفاع ضغط الدم، نندب حظنا العثِر الذي أوقعنا في هذه النوعية من الأبناء المتمردين،
ويخرج أبناؤنا من فترة المراهقة مرهقين، ويشعرون بالغبن والظلم وافتقاد القلب المحب والعقل المتفهم،
وربما يخرجون بما هو أسوأ؛ فقد يلقون بأنفسهم في شباك مجموعة منحرفة تدمن المخدرات وتمارس الرذيلة،
وهو ما نسمع عنه ونقرأ عنه كل يوم، ولعله السبب الرئيس فيما نسلك من سلوكيات متشددة
وغير متفهمة في أحيان كثيرة.
الحوار الهادئ الصبور
علينا قبل كل شيء أن نعي خطورة المرحلة، وأن التربية فيها ليست قابلة للتجريب؛
فالمراهق شديد الحساسية أكثر بكثير من الطفل، وإحساسه بذاته مرتفع جدا؛
لذلك يجب أن نكون على درجة عالية من الحذر والاهتمام فلا نسمح لأعصابنا المرهقة أن تفسد
في لحظة مشروع عمرنا الجميل.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد سمير عبد الفتاح، مدير مركز البحوث النفسية بجامعة المنيا (مصر)،
إن "المراهق يحتاج إلى من يتفهم حالته النفسية، ويراعي احتياجاته الجسدية؛
ولذا فهو بحاجة إلى صديق ناضج يجيب عن تساؤلاته بتفهم وعطف وصراحة، صديق يستمع
إليه حتى النهاية دون مقاطعة أو سخرية أو شك، كما يحتاج إلى الأم الصديقة والأب المتفهم".
فالسلاح الأول هو الصبر والتفهم، لابد من تحمل الكثير من التفاهات والأخطاء، لابد من محاولة التفكير
بعقله الذي لم يصل لمرحلة النضج بعد، ولعل مما يفيد في ذلك تذكر مشاعرنا القديمة عندما كنا
في هذا العمر اندفاعنا الحاد.. مشاعرنا القوية.. عنادنا وإصرارنا.. خواطرنا التي كنا نفكر فيها
عندما نواجه بالرفض والإعراض أو السخرية والتهكم.
يدعو خبراء النفس الآباء إلى ضرورة التوقف الفوري عن محاولات برمجة حياة المراهق؛
فهم أبناؤنا نعم، لكن لهم ذواتهم المنفصلة ولديهم عقولهم الخاصة التي ينبغي لها أن تعمل وأن تبرمج حياتهم.
الحوار الهادئ
أما تربية المراهق فلابد أن تعتمد على آلية الحوار الهادئ الصبور.. الحوار الذي يحترم استقلالية المراهق وتفكيره،
نتحاور معه كما نتحاور مع الإنسان الناضج، ونتعامل معه كذلك أيضا، ولا تهتز هذه المعاملة أبدا،
حتى إن أخطأ المراهق نبين له بالحوار الخطأ، ولنتأمل جيدا هذا الحديث الذي يؤكد أن الحوار
هو المنهج الإسلامي الصحيح في التعامل مع الشباب الصغير؛
فعن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا.
فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا مه مه! فقال: ((ادنه)) فدنا منه قريبا. قال: فجلس. قال: ((أتحبه لأمك؟))
قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم)). قال: ((أفتحبه لابنتك؟))
قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك! قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم)).
قال: ((أتحبه لأختك؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم)).
قال: ((أتحبه لعمتك؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ((ولا الناس يحبونه لعماتهم)).
قال: ((أتحبه لخالتك؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم)).
قال: فوضع يده عليه،
وقال: ((اللهم! اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء))
[رواه أحمد بسند صحيح].
فهذا الشاب الصغير تحت وطأة الغريزة الجنسية العاتية والهرمونات الذكورية المتدفقة في دمه يرغب في
علاقات متعددة مع الجنس الآخر، لكنه يعلم أن هذا أمر محرم، فخطر بباله أن يسمح له النبي بذلك،
وتحت وطأة الضغط ذهب وتحدث مع النبي في الأمر تماما كما يأتيك ابنك المراهق ويحدثك بحديث وقح غير مناسب،
فما كان رد فعل النبي - الذي هو أسوتنا في التعامل مع المراهقين - لم يصفعه النبي - صلى الله عليه وسلم -
لم يقل له أيها الحقير ماذا تقول؟..
حافظ النبي على هدوئه وأدار حوارا مع هذا الشاب، وجعله يفكر في الأمر من جميع زواياه.
الحنان والتفهم
بعد ذلك وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده الشريفة على الشاب، ودعا الله له أن يطهر قلبه وأن يحصن فرجه،
وهذه هي الآلية الثانية في التعامل مع المراهق بعد الحوار الهادئ الصبور؛ أعني الحنان والتفهم،
فلمسة حانية صادقة كتلك التي وضعها النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدر الشاب تشبه
عمل السحر في قلوب الشباب.. تجعلهم يشعرون بفهمنا لهم.. إن الحب والحنان هو مفتاح
القلوب المغلقة والعقول المتمردة الشاردة.
وليكن واضحا تماما أن الحنان لا يعني الضعف، كما أن الحزم لا يعني السيطرة، فلابد من الحزم الحنون،
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتساهل مع الشاب في أمر الحلال والحرام، لكنه تفهم السؤال والدافع إليه،
وقدم له الجواب الشافي.. الفكر الذي يقنع، والتوجه لله بالعون على الحصانة،
والعزيمة التي تتولد من القلب الطاهر فتجعل هذا الشاب حازما مع نفسه لا يلتفت لحرام أبدا.
كلمة أخيرة أهمس بها للوالدين:
لابد أن نكون على يقين أن الله - عز وجل - هو من يهدي القلوب، فلابد من اللجوء إليه بالدعاء،
بل والإلحاح في الدعاء أن يكون أبناؤنا مثل يحيى بن زكريا
(وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا) [مريم: 13-14)].
منقول