الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد
فهذه هي الحلقة الاولى ضمن حلقات (درء الشبهات عن الإسلام) وهي عبارة عن أبحاث لي قديمة ،ظلت حبيسة الرَّف فترة من الزمن ، فألفيتها نافعة مفيدة ، وخشيتُ كتمانها لكي لا تقوم علينا الحجة ، ولكي نقوم بما أوجب الله تعالى علينا من الدفاع عن هذا الدين العظيم .
و ضمنت الرد على شبهة (قوامة الرجل على المرأة) ضوابط و مفاهيم
كتوطئة قبل الرد على الشبهة .
المنهجية المتبعة في الرد:
أولا : تحديد مفهوم القوامة.
ثانيا : الفوارق بين الرجل و المرأة على حد سواء.
ثالثا : الرد على الشبهة و يتضمن :
أ.تحرير أصل الشبهة و ما تقوم عليه.
ب.الرد ضمن مقتضيات الدلالات العقيلة.
وقد أخذت في الاعتبار حسب منهجية الرد ، أن هذه الشبهة صادرة من غير مسلم ، حاول التشكيك في أصول ثابتة في الاسلام ، ولم أذكر في ذلك الدلالات الشرعية القائمة على نصوص الوحيين.
مفهوم القوامة
القوامة في اللغة:
من قام على الشيء يقوم قياماً: أي حافظ عليه وراعى مصالحه، ومن ذلك القيِّم وهو الذي يقوم على شأن شيء ويليه، ويصلحه، والقيم هو السيد، وسائس الأمر، وقيم القوم: هو الذي يقوّمهم ويسوس أمورهم، وقيم المرأة هو زوجها أو وليها لأنه يقوم بأمرها وما تحتاج.
ضبطها :القَوامة (بفتح القاف و كسرها): هي القيام على الامر او المال او ولاية الامر ، ومنه قولنا (( القوامة على اموال اليتامى ليست بالامر السهل))...لذا لك أن تقول (قِوامة) بكسر القاف أو (قَوامة) بفتحها كما في المعجم المحيط. (انظر إجازات و تصويبات لغوية للدكتور محمود سعيد شاكر).
والقوّام على وزن فعال للمبالغة من القيام على الشيء، والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد
قال البغوي – رحمه الله -: "القوام والقيم بمعنى واحد، والقوّام أبلغ، وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب".
القوامة اصطلاحاً:
بعد التأمل في نصوص الفقهاء – رحمهم الله تعالى – واستخدامهم للفظة "القوامة" نجد أنهم – رحمهم الله – يستخدمون لفظ القوامة ويريدون به أحد المعاني الآتية:
الأول: القيم على القاصر، وهي ولاية يعهد بها القاضي إلى شخص رشيد ليقوم بما يصلح أمر القاصر في أموره المالية.
الثاني: القيم على الوقف، وهي ولاية يفوض بموجبها صاحبها بحفظ المال الموقوف، والعمل على بقائه صالحاً نامياً بحسب شروط الواقف.
الثالث: القيم على الزوجة، وهي ولاية يفوض بموجبها الزوج تدبير شؤون زوجته والقيام بما يصلحها
والنوع الثالث هنا هو المراد بهذا البحث.
وبناءً عليه يمكن القول بأن القوامة الزوجية: ولاية يفوض بموجبها الزوج القيام على ما يصلح شأن زوجته بالتدبير والصيانة.
الفوارق بين الرجل و المرأة على حد سواء
إن قوامة الرجال على النساء مسألة تفرضها ضرورة الحياة الفضلى من الناحيتين الفطرية والفكرية.
أما الناحية الفطرية فإن الخصائص النفسية المزود بها كلّ من الرجل والمرأة بصفة عامة تؤهّل الرجل بشكل أمثل لتحمّل مسؤوليات إدارة شؤون الأسرة والقيام على رعايتها والتصدي لزعامتها، وفي المقابل نلاحظ أن خصائص المرأة بشكل عام تحبِّب إليها أن تجد لدى الرجل ملجأ وسندًا وقوة إرادة واستقرارَ عاطفة وحكمة في تصريف الأمور وسلطانًا ترى في الانضواء تحته أنسها وطمأنينتها وأمنها وراحة بالها.
ولذلك يلاحظ أثر هذا التكوين الفطري ظاهرًا في كل مجموعة إنسانية، ولو لم تلزِمها به أنظمة أو تعاليم، وربما شذّ عنه نفر قليل اختلّت فيه خصائص الذكورة والأنوثة، وهي حالات شاذّة لا تستحقّ تعديلاً في أصل القاعدة الفطرية.
وأما الناحية الفكرية فإن الحكمة في المجتمعات الإنسانية تقضي بأن يكون لكل مجتمع صغُر أو كبر قيّم يقوده ويدير شؤونه حمايةً له من الفوضى والتّصادم والصراع الدائم، والأسرة أحد هذه المجتمعات التي تحتاج إلى قيّم تتوافر فيه مؤهّلات القوامَة بشكل أمثل.
لدى أهل الفكر في مسألة القوامة داخل الأسرة مجموعة من الاحتمالات:
أولاً: أن يكون الرجل هو القيّم في الأسرة باستمرار.
ثانيًا: أن تكون المرأة هي القيّم في الأسرة باستمرار.
ثالثًا: أن يكون كلّ من الرجل والمرأة قيّمًا على سبيل الشركة المتساوية.
رابعًا: أن يتناوبا القوامة وفقَ قسمةً زمنية.
خامسًا: أن يتقاسما القوامة، بأن يكون لكل منهما اختصاصات يكون هو القيّم فيها.
أما الشركة في القوامة سواء أكانت في كلّ شيء وفي كلّ وقت، أو كانت على سبيل التناوب الزمني، أو كانت على سبيل التقاسم في الاختصاصات، فإنها ستؤدّي حتمًا إلى الفوضى والتنازع ورغبة كلّ فريق بأن يعلو على صاحبه ويستبدّ به، وقد أيّدت تجارب المجتمعات الإنسانية فساد الشركة في الرئاسة.
أما إسناد القوامة إلى المرأة دون الرجل فهو أمر ينافي ما تقتضيه طبيعة التكوين الفطري لكل منهما، وهو يؤدي حتمًا إلى اختلال ونقص في نظام الحياة الاجتماعية لما فيه من عكس لطبائع الأشياء، فلم يبق إلا الاحتمال الأول، وهو أن يكون الرجل هو القيم في الأسرة.
أهمّ خصائص القوامة المثلى رجحان العقل على العاطفة، وهذا الرجحان متوافر في الرجال بصفة عامّة أكثر من توافره في النساء، لأن النساء بمقتضى ما هن مؤهلات له من إيناس للزوج وحنان عليه وأمومة رؤوم وصبر على تربية الطفولة تترجح لديهن العاطفة على العقل، ولن تكون قوامة مثلى لأيّ مجتمع إنساني صغيرًا كان أو كبيرًا إذا كانت العاطفة فيها هي الراجحة على العقل.
ولئن كان بعض الرجال تتحكّم فيهم عواطفهم أكثر من عقولهم، وبعض
النساء تتحكم فيهن عقولهن أكثر من عواطفهن، فذلك أمر نادر لا يصحّ أن تتغيّر من أجله قاعدة عامة.(انظر أجنحة المكر الثلاثة لعبد الرحمن حبنكة الميداني)
ثم إن الرجل بناء على طبيعته التي خلقها الله تعالى عليها يتمتع بقدرات جسمية ، و عقلية أكبر بكثير على - وجه العموم - من المرأة التي تكون عادة أقل حجما وقوة ، و يتحكم بانفعالاتها و أفعالها ، العواطف الإيجابية و السلبية أكثر من حكمة العقل ورجحانه .(انظر القوامة للدكتور مسلم اليوسف)
و قد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة ، و أن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثير من تلك الموجودة في مخ المرأة ، و تقول الأبحاث أن المقدرة العقلية و الذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ، و وزن المخ و عدد التلافيف الموجودة فيه .
وهناك تفاصيل في الفروق الجسدية والنفسية ذكرها الدكتور (محمد علي البار)
في كتابه (عمل المرأة في الميزان) انظر ص 77
والإسلام فرض على الزوج الإنفاق على أسرته بالمعروف , كما كلفه بدفع المهر ، و غيره من الالتزامات ، و الواجبات , و ليس من العدالة و الإنصاف في شيء أن يكلف الإنسان بالإنفاق على أسرته دون أن يكون له حق القوامة ، و الإشراف و التربية .
و هنا كلام نفيس للإستاذ العقاد في حقيقة الفرق بين الرجل و المرأة(نقلا عن عمل المرأة في الميزان لمحمد علي البار ص 86 الى ص 89) :
ويقول الأستاذ العقاد رحمه الله في المرأة في القرآن في فصل (( وللرجال عليهن درجة )) (( فليست شواهد التاريخ الحاضر المستفيضة بالظاهرة الوحيدة التي تقيم الفارق بين الجنسين . إذ لا شك أن طبيعة الجنس أدل من الشواهد التاريخية والشواهد الحاضرة على القوامة الطبيعية التي اختص بها الذكور من نوع الإنسان إن لم نقل من جميع الأنواع التي تحتاج إلى هذه القوامة .. فكل ما في طبيعة الجنس الفسيولوجية في أصل التركيب يدل على أنه علاقة بين جنس يريد وجنس يتقبل وبين رغبة داعية ورغبة مستجيبة تتمثلان على هذا النحو في جميع أنواع الحيوانات التي تملك الإرادة وترتبط بالعلاقة الجنسية وقتاً من الأوقات .
وعلى وجود الرغبة الجنسية عند الذكور والأناث لا تبدأ الأنثى بالإرادة والدعوة ولا بالعراك للغلبة على الجنس الآخر ..
وليس هذا مما يرجع في أصوله إلى الحياء الذي تفرضه المجتمعات الدينية ويزكيه واجب الدين والأخلاق بل يشاهد ذلك بين ذكور الحيوان وإناثه حيث لا يعرف حياء الأدب والدين . فلا تقدم الأناث على طلب الذكور بل تتعرض لها لتراها وتتبعها وتسيطر عليها باختيارها ولا تزال الأنثى بموقف المنتظر لنتيجة العراك عليها بين الذكور ليظفر بها أقدرها على انتزاعها .
وأدل من ذلك على طبيعة السيطرة الجنسية أن الاغتصاب إذا حصل إنما يحصل من الذكور للأنثى ولا يتأتى أن يكون هناك اغتصاب جسدي من أنثى لذكر .. وأن غلبة الشهوة الجنسية تنتهي بالرجل إلى الضراوة والسيطرة وتنتهي بالمرأة إلى الاستسلام والغشية ... وأعمق من ذلك في الإبانة عن طبيعة الجنس أن عوارض الأنوثة تكاد تكون سلبية متلقية في العلامات التي يسمونها بالعلامات الثانوية فإذا ضعفت هرمونات الذكورة وقلت إفرازاتها بقيت بعدها صفات الأنوثة غالبة على الكائن الحي كائناً ما كان جنسه ( وذلك ما هو مشاهد عند اخصاء الذكور فتظهر الصفات الأنثوية وتضمحل صفات الذكورة ) .. ولكن صفات الذكورة لا تأتي وحدها إذا ضعفت هرمونات الأنوثة .. إنما يظهر منها ما كان يعوقه عائق عن الظهور .
ومن الطبيعي أن يكون للمرأة تكوين عاطفي خاص لا يشبه تكوين الرجل لأن ملازمة الطفل الوليد لا تنتهي بمناولته الثدي وإرضاعه .. ولابد معها من تعهد دائم ومجاوبة شعورية تستدعي شيئاً كثيراً من التناسب بين مزاجها ومزاجه ..وبين فهمها وفهمه ومدارج حسه وعطفه .. وهذه حالة من حالات الأنوثة شوهدت كثيراً في أطوار حياتها من صباها الباكر إلى شيخوختها العالية فلا تخلو من مشابهة للطفل من الرضى والغضب وفي التدليل والمجافاة وفي حب الولاية والحدب ممن يعاملها ولو كان في مثل سنها أو سن أبنائها ..
وليس هذا الخلق مما تصطنعه المرأة أو تتركه باختيارها إذ كانت حضانة الأطفال تتمة للرضاع تقترن فيها أدواته النفسية بأدواته الجسدية ولا تنفصل إحداهما عن الأخرى ولا شك أن الخلائق الضرورية للحضانة وتعهد الأطفال الصغار أصل من أصول اللين الأنثوي الذي جعل المرأة سريعة الانقياد للحس والاستجابة للعاطفة .. ويصعب عليها ما يسهل على الرجل من تحكيم العقل وتقليب الرأي وصلابة العزيمة ... فهما ولا شك مختلفان في هذا المزاج اختلافاً لا سبيل إلى الممارة فيه )) .
((تتعرض المرأة وتنتظر والرجل يطلب ويسعى والتعرض هو الخطوة الأولى في طريق الإغراء فإن لم يكف فوراءه الإغواء بالتنبيه والحلية والتوسل بالزينة والإيماء . وكل أولئك معناه تحريك إرادة الآخرين والانتظار )) .
((فإرادة المرأة تتحقق بأمرين : النجاح في أن تراد والقدرة على الانتظار . ولهذا كانت إرادة المرأة سلبية في الشؤون الجنسية على الأقل إن لم نقل في جميع الشؤون )) .
(( فالإغواء كاف للأنثى ولا حاجة بها إلى الإرادة القاسرة بل من العبث تزويدها بالإرادة التي تغلب بها الذكر عنوة لأنها متى حملت كانت هذه الإرادة مضيعة طوال فترة الحمل بغير جدوى على حين أن الذكور قادرون إذا أدوا مطلب النوع مرة أن يؤدوه مرات بلا عائق من التركيب والتكوين .. وليس هذا في حالة الأنثى بميسور على وجه من الوجوه )) .
(( وعلى هذا يعتز الرجل بأن يريد المرأة ولا تعتز المرأة بأن تريده لأن الإغواء هو محور المحاسن في النساء والإرادة الغالبة هي محور المحاسن في الرجال . ولذا زودت الطبيعة المرأة بعدة الإغواء وعوضتها عن عدة الغلبة والعزيمة . بل جعلتها حين تُغلب هي الغالبة في تحقيق مشيئة الجنسين على السواء )) .
أ.هـ . كلام الأستاذ العقاد .
تحرير أصل الشبهة و ما تقوم عليه
تقول الشبهة :
أن الإسلام قد سلب المرأة حريتها ، و أهليتها و ثقتها بنفسها إذ جعل الرجل قواما على المرأة .
ثم إن هذه القوامة تمثل بقايا من عهد استعباد المرأة و إذلالها , يوم أن كانت المرأة جنساً مهملاً في البيت , و فكرةً مجهولةً في المجتمع و أماً ذليلة مهينة للزوج .
وليس من المستساغ ، و لا من العدل أن ينفرد الرجل بالقوامة ، و رياسة الأسرة من دون المرأة ، و هي قد حطمت أغلال الرق ، و الاستعباد ، وتساوت مع الرجل في كل الحقوق ، و الالتزامات .(انظر القوامة لمسلم اليوسف)
هدفها:
إن موجة تحرير المرأة التي عمت أرجاء البلاد الاسلامية إبان استقلالها كانت عاتية و تزال... ولما كانت قوامة الرجل على المرأة من أسس النظام الاحتماعي في الاسلام حاولوا ((نزع)) هذه القوامة ، ثم حاولوا في مرحلة تالية مساواته بها في الحقوق و الواجبات.
تعليلات الشبهة:
1-إن في قوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...) قد شرطت بشرطين هما : الفضل و الانفاق فإذا انعدمت هذه الاسباب في الرجل و توافرت في المرأةصحت قوامتها !
2-إن نهضة البلاد المتخلفة ! مرهونة بتحرير النساء من سيطرة الرجال فليست هناك طبقة سادة في التاريخ تنازلت عن (امتيازتها) لطبقة العبيد!
3- إنما تخلفت في القدرة و الكفاية بفعل الرجلو نتيجة لأثرته و استبداده ! و تسخيره المرأة في خدمة مطالبه و أهوائه و إنما كان الرجال أقوياء لأنهم صبوا في قوالب اجتماعية منذ الصغر على أنهم : مستقلون مشاركون إيجابيون، بينما صبت المرأة في قالب آخر على أنها ضعيفة تنتظر الآخرين و تعتمد عليهم ، و من ثم تشكلت أيضا في هذا الاطار.
4-...و إن البنت غدت سمة العار و حتى بعد صدور القوانين ينظر كسلعة تباع و تشترى !! شأنها في ذلك شأن أي سلعة أخرى في المجتمع الذي يقوم على الربح و أنه يمكن أن تشترى حريتها بالمال!.
الرد على الشبهة
يحصر الرد على ما سبق في إطار أصول النقد العلمي ، يأخذ مساراً في تناول كل جزيئة أثيرت .
الرد الشبهات حسب ترتيب نماذجها :
1-تفضيل الله تبارك وتعالى في قوله(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...) لا يعني معدنه على معدنها ، فهما شقيقان ينحدران من نفس واحدة ، يقول الشيخ حسن آل الشيخ رحمه الله( وهو تفضيل لا يغض من قدر انسانية المرأة لأنه ناشئ من تفرقة عضوية بينهما ، لا من تفرقة في الجوهر و المعدن و مثل هذه التفرقة لا تستوجب الاسى عليها ، فإن فضل الله معقود بتزكية النفوس ، لا بتفرقة عضوية اقتضتها حكمة الله لضمان استدامة حياة البشر و تكاملها) أهـ
على أن الرجل فضل على المرأة –كذلك- لكمال العقل و الدين فهو يتحمل دونها تكاليف الجهاد مثلا و له جولته وصولته في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصورة التي لا تتاح لها ، كما قص الله علينا في الآية الشريفة بذله لها من الصداق و النفقة و قد عبر القرآن بصغية المبالغة (الرجال قوامون) ليدل على اصالتهم في هذا الامر.
وقوامة الرجل على المرأة بعد هذا ترتكز على خصائص الذكورة التي تؤهله لأن الله يقول في الأية نفسها (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع..) ولسنا في حاجة الى ايضاح المخاطبين الذكور ، والمشار اليهن الاناث !
وعليه فليس للمرأة ان تكون قوامة على الرجال بحال .
2-الرد على النموذج الثاني من الشبهة : ليست علاقة الرجل المسلم بالمرأة القريبة و البعيدة علاقة عداء وتنافر و استبعاد ،ليست علاقة (سادة وعبيد) كما يصور ذلك أعداء الأسلام، بل هي علاقة مودة ورحمة ووئام وثقة.. اذن فلماذا هي الدعوات المتباكية على وضع المرأة في ديار الاسلام المحافظة ؟! إن التحرير لايكون الا من رق وقيد واستعباد ، وتالله ليست المرأة في ذل ولا في استعباد..
لقد صح ان المرأة في ديار الكفر استعبدت ولا زالت كذلك لغياب نور السماء وهداه هناك عن القلوب والعقول .. ولقد كانت حقوق المرأة واصطلاح شاع هناك فهو اصطلاح غربي المولد مثل (تحرير المرأة) انهما اصطلاحان غربيان مولدا ومنشأ ، وكان اول مؤتمر عقد لذلك في امريكا سنة 1848م ولم تنل المرأة الغربية بعض حقوقها الانسانية الا بعد ثورات ومناورات طويلة الامد .. ونالت اخيرا المرأة الامريكية حقوقها كاملة كما يزعمون سنة 1928م وفي فرنسا نالت المرأة حقوقها 1945م وفي بلجيكا سنة 1946م وفي انيوزلندا سنة 1891م وفي استراليا سنة 1902م وكندا 1971م والبرازيل سنة 1934م والأرجنتين والمكسيك سنة 1946م واليابان سنة 1945م .
ثم لما هضمت حقوق المسلمين والمسلمات إبان الاستعمار الكافر لبلادهم وظهرت اثر ذلك المشكلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية قبل انسحاب الاستعمار العسكري وبعده رؤي ان لابد من معالجة هذا التخلف فأخطئ الطريق عمدا أو جهلا فدلا من العودة الصادقة المخلصة إلى الله كان احتذاء النماذج النصرانية واليهودية .. !! وغالطه المجرمون من إذناب الاستعمار ممن هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وراحوا يصرخون انبذوا عادات عصر (الحريم) وتحرروا من إسلامكم فهو سبب تخلفكم وليس الاستعمار الذي ماجاء إلى بلادكم إلا من اجل نفعكم وتقدمكم !!
ولما انخدعت بعض نساء المسلمين فخرجن من بيوت العفة والطهارة والكرامة والحياء إلى وحل الفتنة وسط الرجال نودي أن نالت المرأة المصرية حقوقها كاملة سنة1956م والسورية سنة 1958م وتبعتها بلاد أخرى حاول المجرمون جعلها مثلا وقدوة.
فهل يعي المسلمون حقيقة مايراد لهم وهل يعنون أن تجاهل هذه الحقائق الملموسة والتقصير في مجابهتها والتشهير بها ذو اثر بالغ السوء ؟!
3- الرد على النموذجين الثالث والرابع من الشبهة:
للنظام الإسلامي في حياة المجتمع المسلم اثر فعال وكبير في تكوينه ، وإذا كان علم الاجتماع يقرر أن كل إنسان ينشأ على ماينشأ عليه متأثرا بأنساق بيئته وأنماط سلوك مجتمعه فالإسلام يحرص على تنقية هذه البيئة من شوائب الجاهلية، ويعمل على تحسين سلوك إفراد المجتمع ، ويسند للرجل دورا يليق به في المجتمع، كما ينيط بالمرأة دورا يتسق بتكوينها النفسي والعاطفي ..
ولئن كانت المرأة الغربية قد صبت في قوالب اجتماعية معينة كما يقولون فللمرأة المسلمة منهج متفرد في تربيتها ابرز سماته قوله تعالى " أوَ من ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين" أي أن البنت إذا كانت تنشأ في الزينة والنعومة فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويبرأ بنفسه عنه .
يقول الكاتب الفرنسي غوستاف لوبون كاشفا النقاب عن حقيقة مثل هذه الشبهات المضللة : ( ينسج الأوربيون على العموم افسد الآراء حول (دوائر الحريم) في الشرق، لقد بينا بعد درجة تلك الإحكام من الصحة ، فجميع الأوربيين الذين أتيح لههم الاطلاع على دوائر الحريم عن كثب يقضون العجب من حب النساء فيها لأزواجهن وتربيتهن أولادهن وتدبيرهن لأمور منازلهن .. واعتقادهن تقهقرهن إذا حملن على تبديل حالات الأوربيات بحالهن ..) ثم يقول ( وينظر الشرقيون إلى الأوربيين الذين يكرهون نسائهم على التجارة والصناعة والإشغال .. كما ينظر إلى حصان أصيل يستخدمه صاحبه في جر عربة أو إدارة حجر رحى )
ويقول في موضع آخر : (تتمتع الزوجة المسلمة بأموالها الخاصة فضلا عن مهرها وعن انه لا يتطلب منها أن تشترك بالإنفاق على أمور المنزل – كما هو الحال في الغرب – وان المرأة المسلمة تعامل باحترام عظيم فضلا عن تلك الامتيازات )
وتتجلى مما سبق حقيقتين هامتيين :
الأولى : انه إذا كان من واجبات الغربيين أن يصبوا النساء الغربيات كما يقولون في قوالب منكوسة لتلائم مرحلة ثورة التصنيع التي تمر بها أوربا وماشاكلها لتوافق شهوات المريضة وميولهن الممسوخة والحال أنهم في منأى عن هدى السماء : فللشرق الإسلامي وضعه المتميز ، والمرأة فيه كريمة مصونة مطهرة عفيفة ، يرتمي أبناؤها على إقدامها خدمة وإجلالا !! ويتسابق أخواتها إلى مرضاتها إكراما وإعزازا ثم لا يضن الإباء على بناتهم .. كل اؤلئك بإحكام رب العالميين .. فليس ثمة مبرر لانتهاج منهج الكافرين الفاسد.
الثانية: من اليسير بعد هذا أن تنكشف حقيقة المغرضين الذين راموا نيل الأمة في نسائها وهم يثيرون هذه الشبهات، ( فمتى سقط سلطان الرجل على المرأة سقط معه سلطان الأخلاق).
ومتى سقط سلطان الأخلاق مسخ المجتمع إلى بهيمية لا تعرف إنسانية ولا إحساسا فانظر رحمك الله إلى ما يهرعون وماذا يرمون ، ومن الأبواب يدلفون وتحت أي ستار يختبئون ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .
وخلاصة القول :
1- أن قوامة الرجل على المرأة في الإسلام لا تعني (الاستبداد) ولا (القهر ) ولا (الإذلال ) ولا ( التسخير ) للمنافع والمطالب على النحو الذي يدعيه اللامزون.
أن تلك القوامة منحها الرجل لمقاصد لم تسم إليها نفوس اؤلئك من تلك المقاصد الإسلامية : رعاية النبت الإنساني الكريم ، والمحافظة على رونق الحياة الزوجية ،وحسب المسلم أن يذعن لأمر ربه الذي يشرع للإنسانية مايتفق مع الحكمة التي يجهلها كثير من الناس .
2- إن المرأة في الإسلام غير ممنوعة من أن يكون لها استقلال اقتصادي ، فلها حق التصرف بأموالها وممتلكاتها دون وصية أو سلطة من قبل الرجل طالما أنها بالغة رشيدة.
وبذلك تتجلى حقيقة هذه الشبهة و بيان ضعفها ، و مدى الايمان بمتانة الشريعة الربانية
وصلى الله و سلم و بارك على نيبنا محمد و على آله وصحبه أجمعين.