السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب في الجامعة الأمريكية في المغرب، وأعاني من كثرة الفتن، والله العظيم إنها لفتن كقطع الليل المظلم، كما عبر عنها الحبيب صلى الله عليه وسلم.
أنا أدرس مع طبقة من الأثرياء الذين لا يعرفون لا أخلاقا، ولا دينا، والله إني لأهرب في كل نهاية أسبوع إلى لمدينة التي أسكن فيها؛ خوفا من الفتن التي تقوم في كل نهاية أسبوع، المهم قاومت وما زلت أقاوم، لكن مقاومتي بدأت تضعف، حيث أنني لا أصلي صلاة الفجر في وقتها، ولا أرتاد مسجد الجامعة المسكين المهجور إلا قليلا.
وأيضا عندما أكون مع أصحابي وزملائي وزميلاتي في الكلاس لا أجرؤ على دعوتهم لدين الله وتقواه، ووالله إن قلبي ليحترق من هذا، أريد أن أدعو إلى الله بطريقة جدا متحضرة لا تثير شكوك الناس، وخاصة أن نظام الجامعة متشدد جدا تجاه أي شيء يمت إلى الإسلام بصلة.
أرجو النصيحة والمشورة، وجزاكم الله خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن هذا الحرص على الدعوة إلى الله تعالى، وهذا الألم كذلك الذي تجده في قلبك بسبب عدم مبادرتك للدعوة لهذا الدين الكريم، كل هذا بحمد الله دليل على إيمانك، ودليل على أنك شاب تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومع حصول هذه الفتن، ومع توالي هذه المحن التي تصد عن سبيل الله تعالى صدا، وتدفع عن هداه دفعاً، إلا أنك بحمد الله تعالى لازلت الشاب المؤمن الذي قد استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولن ترتد على عقبيك بعد إذ هداك الله، نعم .. إنها الفتنة والمحنة، ومعها أيضاً البشرى العظيمة لك!! هذه البشرى التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن من ورائكم أيام الصبر، للعامل فيهن أجر خمسين منكم ( يعني الصحابة ) قالوا: منهم يا رسول الله، قال: بل منكم) وكرر ذلك صلوات الله وسلامه عليه، والحديث ثابت أخرجه الطبراني في المعجم.
فهذه هي أيام الصبر التي وصفها صلوات الله وسلامه عليه بأن المؤمن القابض على دين كالقابض على الجمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، فأول ما نبدأ به كلامنا معك إذن هو أن يكون شعارك الذي تعيش عليه وتموت عليه هو قوله تعالى: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم } وقوله تعالى: {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } فهذا هو شعارك الذي لا بد أن تموت عليه وأن تحيا عليه : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
فلا بد من الثبات على هذا الدين، ولا بد من إتباع كل سبيل يعين على الثبات عليه، ومن هذا المقام، فإن الحال الذي وصفته من شدة الفتن عندك في هذا المكان الذي تدرس فيه، لا بد له من حل .... ولا بد له من إجراء تخفف فيه وطأة الفتنة عليك، فمثلاً إذا كان هنالك مكان للدراسة أقل فتنة وأقل شيوعاً في الحرام، فلا بد من محاولة الانتقال إليه، قبل أن تهجم عليك الفتن المتتابعة فتضر دينك، وتخرم إيمانك، بل وتذهب دنياك أيضاً.
فحاول أن تبحث عن مكان هو أقل فتنة للدراسة، وأقل بلاء من هذا المكان الذي وجدت نفسك فيه قد بدأت في الضعف، وبدأت في التغير، كما أشرت في كلامك، فإذا لم تقدر على الانتقال لظرف من الظروف، فإن لك وصايا تنفعك بإذن الله تعالى:-
1- دوام المحافظة على الصلاة في المسجد في الجماعة، لكي يكون قلبك وبدنك معلقين ببيوت الله، وليسا معلقين في الغرب والشرق، فلا بد من أن تكون من عامري بيوت الله التي هجرت كما قال تعالى : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}.
2- المحافظة على غض البصر، ومن باب أولى الالتزام بعدم مخالطة الفتيات، فإن الله قد حرم عليك النظر إلى النساء الأجنبيات، وحرم وأكد تحريم الاختلاط بهن، كما قال تعالى : {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}.
3- لا بد أن تكون شجاعاً في اتخاذ مواقفك الإيمانية، فعندما تمتنع عن المخالطة للنساء، وعن العلاقات المحرمة، فإن من يسألك عن سبب ذلك، فبين له بوضوح أنك تفعل هذا طاعة لله ولرسوله صلوات الله وصلى الله وسلم، فأنت المؤمن العزيز، ولو كنت ضعيفاً مستضعفاً، وأما ما ذكرته من تشديد هذه الجامعة في أمور الإسلام، وأنها لا تتهاون مع من يلتزم بدينه، فلا التفات إلى ذلك، بل كن مثالاً للمؤمن الصادق الذي يلتزم بدينه، والذي يدعو إليه بحكمة ورفق ولين، ولا سبيل لأحد عليك بعد ذلك .
4- حاول إيجاد الرفقة الطيبة، التي تعينك على طاعة الله تعالى، سواء كان ذلك في محل دراستك أو خارجة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود.
5- لا بد أن يكون التحضير والتجهيز للزواج قائماً لديك، فمتى ما وجدت الفرصة للزواج فبادر إليها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يا معشر الشاب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أعض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ).
6- عليك بدوام مراقبة الله، ودوام الإنابة إليه، وتذكر أن الفلاح كله، والفوز كله، إنما هو بتقوى الله تعالى وبالاستعانة به والتوكل عليه، كما قال تعالى: { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً }
ونسأل الله لك الثبات على دينه، وأن يلهمك رشدك، وأن يعيذك من شر نفسك، ومن شر كل ذي شر.
منقول للفائدة