الطفلُ الأوّلُ وأغرارُ التربيةِ
د. عبد المجيد البيانوني
للطفل
الأوّل في جميع الأسر منزلة خاصّة ، ومكانة متميّزة ، وتبعاً لذلك فمن
المفروض أن يتلقّى تربيةً متميّزة ، ولكنّ الواقع أنّه يتلقّى تربية ليست
على المستوى المطلوب ، لأنّه يكون حقل تجارب الوالدين المبتدئين ، ومن ثمّ
فإنّه يتلقّى تربية قاصرة ، تعاني من تشوّهات كثيرة ، فقد تجنح ذات
اليمين ، فتكون مفرطةً في الشطط ، وترك حبل الطفل على الغارب ، وقد تجنح
ذات الشمال فتكون موغلةً في الشدّة والضغط ، والمحاصرة للطفل من كلّ جانب ،
فتكون شخصيّته ضعيفة مضطربة .. وفي كلتا الحالتين ، فإنّ الطفل الأوّل
الذي يتمتّع بتلك المنزلة الخاصّة عند كلا الوالدين يكون ضحيّة هذا السلوك
المتطرّف نحو أحد هذين الاتّجاهين ، ويكون مَيدانَ تجارِب ، لمختلف
الأفكار ، والاتّجاهات ، والنظريّات ..
وهذه الملاحظة تكاد تكون عامّة أو غالبة ، وكثير من الآباء يشعر بالتقصير
عندما يتقدّم به العمر ، وتنضج تجربته التربويّة ، ويتذكّر ما كان عليه
من مواقف ، فيتمنّى لو تهيّأ له من يأخذ بيده ، ويرشده إلى منهج الحقّ في
التربية ، بما يكفل لأولاده حسن النشأة وسلامتها .. وربّما استغرب مواقفه
حتّى لم يكد يصدّقها ، وقد كان قبلاً شديد الحماسة لها ، والتمسّك بها ..
فالزوجان يصبحان مع إطلالة الطفل الأوّل أباً وأمّاً ، وهما في هذا الباب
أغرار مستجدّون ، مهما قرَءوا مِن الكتب ، وتعلّمُوا ودرسوا ، فالخبرةُ
العَمَليّة قلّما يعيها الإنسانُ ، ويقدِّر أبعادها إلاّ من خلال التجربة
الذاتِيّة .. وكثير منَ الأفكار البرّاقة التي نَطْربُ لسماعها تكون
خفيفةَ الوزنِ ، ضعيفة الأثر عندَما توضع على محكَّ التجرِبة والواقع ..
وربّما زادت الهُوّة ِاتّساعاًَ بينَ الطرَفين عندما يحملُ أحدُهما أو
كلاهمَا أفكاراً نظريّة برّاقَة ، يظنّها مسلّمات قطعيّة ، يَتحمّس لها ،
ويخاصم عليها صاحبه ، ولا يتقبّل أيّ حوار حولها ..
وهذه الملاحظات بما يتّصل بها من نتائج وآثار تدلّ على أنّ أكثر
المُقدِمين على تحمّل مسئوليّة التربية ينقصهم العلم الضروريّ ، والتجربة
المُرشِدة ، كما ينقصهم التأهيل بدورات توعية تربويّة ، تضعهم على الطريق
الصحيح في التربية ، وهم بحاجةٍ ماسّة إلى ذلك كيلا يكرّروا أخطاء من قبلهم
، ولا يبدءوا من نقطة الصفر دائماً ..
وإنّ ممّا لاشكّ فيه أنّ من أهمّ ميّزات الحياة الاجتماعيّة أنّ الأبناء
يتعلّمون من تجارِب الآباء ، وأنّ التواصل بين الأجيال يعني نموّ الخبرات ،
وتطوّر الوسائل ، وتجدّد الأساليب ، وما لم يعِ الجيل الناشئ تلك الحقيقة
فإنّه سيظلُّ يرى في نفسه الاستغناء بعلمه وذكائه وقدراته ، عن الاستعانة
بعلم الآخرين ، وخبرتهم في الحياة وتجاربهم ، وسيظلُّ يقفُ عندَ بعض
معلوماتِه التربويّةِ المتواضعةِ وقفة الإصْرار ، التي تقفُ سدّاً مَنيعاً
دونَ تقبّلِ أيّ فكرةٍ أخرى أو حوارٍ وهنا مكمن الخطر والداء ..
وهنا أجدُني بحاجة إلى أنْ أقدّمَ لأغرار التربيةِ ثلاث نصائحَ مهِمّة :
الأولى : لابدّ لَهم مِن البحث عنِ الخبرة التربويّة والسعي إليها ، إذ
الخبرة التربويّة الموثّقة تمنحهم سنوات من العمر ، وتختصر لهم مراحل من
التربية .
والثانية : لابدّ لَهم مِن القراءة التربويّة الهادفة ، التي تبنِي شخصيّتهم ، وتصحّحُ معلوماتهمْ .
وَأخيراً : لابدّ لَهم مِن الحوارِ البنّاء فيما بينهم ، وليختلفوا في
الرأي مَا شاءوا ، ولْيَتَحمّسوا لمواقفهم كما أرادُوا ، ولكنْ دونَ تعصّب
وانغلاق ، وستعلّمهمْ مدرسة الحوار البنّاء دروساً مُمتعة ، لا تنسى مدى
الحياة .
د. عبد المجيد البيانوني
للطفل
الأوّل في جميع الأسر منزلة خاصّة ، ومكانة متميّزة ، وتبعاً لذلك فمن
المفروض أن يتلقّى تربيةً متميّزة ، ولكنّ الواقع أنّه يتلقّى تربية ليست
على المستوى المطلوب ، لأنّه يكون حقل تجارب الوالدين المبتدئين ، ومن ثمّ
فإنّه يتلقّى تربية قاصرة ، تعاني من تشوّهات كثيرة ، فقد تجنح ذات
اليمين ، فتكون مفرطةً في الشطط ، وترك حبل الطفل على الغارب ، وقد تجنح
ذات الشمال فتكون موغلةً في الشدّة والضغط ، والمحاصرة للطفل من كلّ جانب ،
فتكون شخصيّته ضعيفة مضطربة .. وفي كلتا الحالتين ، فإنّ الطفل الأوّل
الذي يتمتّع بتلك المنزلة الخاصّة عند كلا الوالدين يكون ضحيّة هذا السلوك
المتطرّف نحو أحد هذين الاتّجاهين ، ويكون مَيدانَ تجارِب ، لمختلف
الأفكار ، والاتّجاهات ، والنظريّات ..
وهذه الملاحظة تكاد تكون عامّة أو غالبة ، وكثير من الآباء يشعر بالتقصير
عندما يتقدّم به العمر ، وتنضج تجربته التربويّة ، ويتذكّر ما كان عليه
من مواقف ، فيتمنّى لو تهيّأ له من يأخذ بيده ، ويرشده إلى منهج الحقّ في
التربية ، بما يكفل لأولاده حسن النشأة وسلامتها .. وربّما استغرب مواقفه
حتّى لم يكد يصدّقها ، وقد كان قبلاً شديد الحماسة لها ، والتمسّك بها ..
فالزوجان يصبحان مع إطلالة الطفل الأوّل أباً وأمّاً ، وهما في هذا الباب
أغرار مستجدّون ، مهما قرَءوا مِن الكتب ، وتعلّمُوا ودرسوا ، فالخبرةُ
العَمَليّة قلّما يعيها الإنسانُ ، ويقدِّر أبعادها إلاّ من خلال التجربة
الذاتِيّة .. وكثير منَ الأفكار البرّاقة التي نَطْربُ لسماعها تكون
خفيفةَ الوزنِ ، ضعيفة الأثر عندَما توضع على محكَّ التجرِبة والواقع ..
وربّما زادت الهُوّة ِاتّساعاًَ بينَ الطرَفين عندما يحملُ أحدُهما أو
كلاهمَا أفكاراً نظريّة برّاقَة ، يظنّها مسلّمات قطعيّة ، يَتحمّس لها ،
ويخاصم عليها صاحبه ، ولا يتقبّل أيّ حوار حولها ..
وهذه الملاحظات بما يتّصل بها من نتائج وآثار تدلّ على أنّ أكثر
المُقدِمين على تحمّل مسئوليّة التربية ينقصهم العلم الضروريّ ، والتجربة
المُرشِدة ، كما ينقصهم التأهيل بدورات توعية تربويّة ، تضعهم على الطريق
الصحيح في التربية ، وهم بحاجةٍ ماسّة إلى ذلك كيلا يكرّروا أخطاء من قبلهم
، ولا يبدءوا من نقطة الصفر دائماً ..
وإنّ ممّا لاشكّ فيه أنّ من أهمّ ميّزات الحياة الاجتماعيّة أنّ الأبناء
يتعلّمون من تجارِب الآباء ، وأنّ التواصل بين الأجيال يعني نموّ الخبرات ،
وتطوّر الوسائل ، وتجدّد الأساليب ، وما لم يعِ الجيل الناشئ تلك الحقيقة
فإنّه سيظلُّ يرى في نفسه الاستغناء بعلمه وذكائه وقدراته ، عن الاستعانة
بعلم الآخرين ، وخبرتهم في الحياة وتجاربهم ، وسيظلُّ يقفُ عندَ بعض
معلوماتِه التربويّةِ المتواضعةِ وقفة الإصْرار ، التي تقفُ سدّاً مَنيعاً
دونَ تقبّلِ أيّ فكرةٍ أخرى أو حوارٍ وهنا مكمن الخطر والداء ..
وهنا أجدُني بحاجة إلى أنْ أقدّمَ لأغرار التربيةِ ثلاث نصائحَ مهِمّة :
الأولى : لابدّ لَهم مِن البحث عنِ الخبرة التربويّة والسعي إليها ، إذ
الخبرة التربويّة الموثّقة تمنحهم سنوات من العمر ، وتختصر لهم مراحل من
التربية .
والثانية : لابدّ لَهم مِن القراءة التربويّة الهادفة ، التي تبنِي شخصيّتهم ، وتصحّحُ معلوماتهمْ .
وَأخيراً : لابدّ لَهم مِن الحوارِ البنّاء فيما بينهم ، وليختلفوا في
الرأي مَا شاءوا ، ولْيَتَحمّسوا لمواقفهم كما أرادُوا ، ولكنْ دونَ تعصّب
وانغلاق ، وستعلّمهمْ مدرسة الحوار البنّاء دروساً مُمتعة ، لا تنسى مدى
الحياة .