كتبه/ مصطفى صبحي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
خطورة العلماء:
لقد
أدرك المنافقون العلمانيون الكارهون للحق -أخزاهم الله- أنه لا يمكن أن
تقوم لهم قائمة وللعلماء شأن وهيئة وهيبة في البلاد، فأخذوا في النيل من
العلماء وشرعوا في تشويه صورتهم، وتحطيم قيمتهم بالدس واللمز والافتراء
والاختلاق، فهم أشد الناس أكلاً للحوم العلماء؛ لما في قلوبهم من الدغل
والمعاداة لورثة الأنبياء.
فصار
العلماء هم العقبة الكؤود أمام المنافقين ومخططات الأعداء، فهم يمثلون أشد
الخطورة عليهم، فالعلماء مكمن خطر متفق عليه بين عقلاء البشر لا ينازع في
ذلك إلا من سُلب عقله أو فقد لبَّه، وكيف لا؟! وهل أزعج الملوك والأمراء
والسلاطين والحكام إلا العلماء؟ فهم غصة في حلق كل حاكم غير محكِّم لشرع
الله، هم أسد الغابة في ساح الوغى، تشل أيديهم ولا تجف أقلامهم، تكبل
أيديهم وأرجلهم بسلاسل الأغلال ولا تقيد ألسنتهم عن المقال، هم صمام أمان
الأمة؛ نشروا التوحيد في ربوع المعمورة فأغضبوا من نادوا بمساواة الشرك
بالتوحيد، أعلنوها مدوية أن الله واحد أحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم
يكن له كفوًا أحد، فأرَّقوا من دعا إلى التسوية بين قائل بالتثليث وعبادة
المسيح وبين قائل بإفراد الله بالعبودية، قالوا: "إن الحكم إلا لله"
فأزعجوا من قالوا: "الحكم للعلمانية!".
إن خطورة العلماء متمثلة في مداهمة أهل الباطل في كل زمان، لقد كان موسى -عليه السلام- وهو النبي الرسول يمثـِّل خطرًا عظيمًا حين قال الملأ لفرعون: (أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ) (الأعراف:127)، فموسى عندهم هو المفسد في الأرض، لكن هذه الكلمة كانت ستارًا يخفون وراءه ما تكن قلوبهم من علمهم أنه على الحق (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) (النمل:14).
لقد
علموا جيدًا أن موسى -عليه السلام- على الحق، لكن حتى يسودوا سيرته قلبوا
الموازين، فقالوا: ما جاء به موسى هو الإفساد في الأرض؛ لأنه يمثل الخطر
على كرسي الملك، فكل من سلك طريق الحق هو الخطر الذي يزعج أهل الباطل.
إن خطورة العالم على الحاكم غير المحكِّم لشرع الله في إظهاره لدينه واعتزازه به، ومجابهة الباطل وقادة الكفر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَحْمِلُ
هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ
الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).
فالعالِم
لا تلين قناته ولا تهن عزيمته، يعلن كلمة الحق وإن توعده الحاكم ورصد له
المراصد، حالهم وحال الطاغوت الحاكم كحال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع
أبي جهل بن هشام حين قام يصلي عند مقام إبراهيم، فمر به أبو جهل فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا؟! وتوعده، فما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن أغلظ له القول وانتهره.
لقد امتثل العلماء قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا
لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا
رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلا يُبَاعِدُ
مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)،
فصدعوا بالحق قائلين بقول أبي ذر -رضي الله عنه- عندما دخل في الإسلام:
"والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم"، فكان سيفًا للحق أمام الباطل
حين أنفذ وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- له قائلاً: "وَأَوْصَانِي أَنْ
لا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَأَوْصَانِي أَنْ أَقُولَ
الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا" (رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني)، وعندها مدحه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
لقد أخذ الله على العلماء الميثاق أن يبينوه -العلم- للناس ولا يكتمونه، قال -تعالى-: (وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ
وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا".
وقال القرطبي -رحمه الله-: "قال الحسن وقتادة: هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب فمن علم شيئًا فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة"، وقال محمد بن كعب: "لا يحل لعالم أن يسكت على علمه".
صورة من خطورة العلماء:
وصدع
العلماء بالحق هو ما جعلهم أعظم ممثلي الخطر على الحكام والسلاطين، حكى
التاريخ موقف "العز بن عبد السلام" -سلطان العلماء- مع الملك الصالح
"إسماعيل"،
وكان الملك الصالح إسماعيل يتولى الشام وبسبب خلاف بينه وبين أبناء عمه
تنازل للنصارى عن بعض الحصون، فلما خطب العز بن عبد السلام في جامع بني
أمية بدمشق يوم الجمعة كان مما قاله: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز
فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن
المنكر".
وأفتى
الناس بعدم جواز بيع الأسلحة للنصارى الذين أخذوا يشترونها من دمشق فغضب
الملك، وسجن العز بن عبد السلام، ثم أرسل الملك إلى العز في السجن أحد
أعوانه وحاشيته، فقال له: أنا سأتوسط لك عند الملك ليخرجك، ولكني أريد منك
شيئًا واحدًا فقط وهو أن تعتذر إلى الملك وتقبل رأسه، فقال العز: دعك عني،
والله لا أرضى أن يقبل السلطان يدي -عافاني الله مما ابتلاكم به-، يا قوم
أنا في وادٍ وأنتم في واد".
وذهب
الملك لمقابلة قادة النصارى فأخذ معه العز بن عبد السلام وسجنه في خيمة،
وبينما كان الملك جالسًا مع النصارى إذا بالعز يقرأ القرآن ويصل صوته
إليهم، فقال الملك: أتدرون من هذا الذي تسمعون؟ قالوا: لا، قال: هذا من
أكبر قساوستنا -ولم يقل: علمائنا-، أتعلمون لماذا سجنته؟ قالوا: لا، قال:
لأنه أفتى بعدم جواز بيع السلاح لكم، فقال النصارى: والله لو كان هذا
قسيسًا عندنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها، فخجل الملك وأطرق وأمر بالإفراج
عن العز بن عبد السلام.
موقف الشيخ "محمد الخضر حسين" شيخ الأزهر مع "محمد نجيب": عندما قامت الثورة في مصر قال محمد نجيب: سنساوي الرجل بالمرأة! فاتصل به الشيخ "محمد
الخضر حسين" وقال له: إما أن تتراجع عن قولك أو لأخرجن غدًا لابسًا كفني
ومعي جميع الأزهريين في الشوارع، فإما الحياة وإما الموت، فجاءه محمد
نجيب وجاءته الوزارة مرددين: يا شيخنا يا إمامنا، نحن نعتذر منك والكلام
كان خطأ، فقال الشيخ: لا تعتذروا إليَّ وإنما أعلنوا الاعتذار للعامة،
فقالوا: صعب جدًّا أن نعتذر أمام العامة، فقال: إما أن تعتذر يا محمد نجيب أمام الناس عن كلامك وتنفيه أو سأخرج غدًا لابسًا كفني، فأعلن محمد نجيب من الغد أن الصحافة كذبت عليه، وأنه لم يقل شيئًا مما نشر عنه!
وهكذا
كانت خطورة العالم على الحاكم في رد أقواله وتصرفاته، وجرأة العالم بالحق
وصدعه به أخافت حاكم السوء من عواقب الباطل فصارت تلكم خطورة العالم التي
من أجلها روج المنافقون قالة السوء، وساعدهم عليها الحاقدون.
ما وراء الطعن في العلماء:
وبعد
معرفة خطورة العالم يظهر ما وراء الطعن في العلماء، فخلف أستار الطعن مآرب
أخرى فتسليط الأعداء سهامهم على العلماء لا لأنهم يبغون بذلك جسد العالم،
وإنما يبغون دعوته وفكره ومنهاج حياته؛ تلك هي الدماء التي تجري في عروق
العالم.
قال العلامة بكر أبو زيد -رحمه الله-: "إذا جُرح شهود الشرع جُرح المشهود به" (تصنيف الناس بين الظن واليقين)، "إن القدح بالحامل يفضي إلى قدح ما يحمله من الشرع والدين؛ ولهذا أطبق العلماء على أن من أسباب الإلحاد: القدح في العلماء" (الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام).
"إن جرح العالم ليس جرحًا شخصيًّا كأي جرح في رجل عامي، لكنه جرح بليغ الأثر يتعدى الحدود الشخصية إلى رد ما يحمله العالم من الحق" (لحوم العلماء مسمومة).
الطعن في العلماء ومخططات اليهود:
وبالطعن
في العلماء تمرر مخططات الأعداء، ففي مخطط من مخططات اليهود في أحد
بروتوكولاتهم: "وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين في أعين
الناس -ويعنون برجال الدين: العلماء من غير اليهود-، وبذلك نجحنا في
الإضرار برسالتهم التي يمكن أن تكون عقبة كؤودًا في طريقنا، وإن نفوذ رجال
الدين على الناس ليتضاءل يومًا فيومًا".
وأخيرًا: إلى آكلي لحوم العلماء... وإلى العلماء:
إلى الطاعنين في العلماء... وإلى مروجي قالة السوء، لقد وفيتم لأعدائكم وتربصتم الدوائر ومكرتم بعلمائكم: (وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10).
اقرؤوها وعُوها!
عن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: "كفى بالمرء شرًّا أن لا يكون صالحًا وهو يقع في الصالحين".
وإلى العلماء من أهل السنة والجماعة:
أنتم
جبل صخر إن كان في البحر افترقت عنده أعظم الأمواج العاتية وظل هو تليد،
وإن كان في البر واهتزت الأرض كان هو راسٍ للأرض أن تميد، إن رآه الناس
بأعينهم أشاروا إليه من بعيد وإن لم يروه علموا أنه مَعْلم الطريق، فمن
ابتلي من أهل العلم بالطعن فأوصيه -مذكرًا لا معلمًا- بالاستعانة بالله
والصبر والتقوى، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ
اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128)، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90).
أراد الله أن يسمع مزيد دعائكم: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (القمر:10)، وكثرة ذكركم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45)، ولا تصغوا بآذانكم إلى نباح الكلاب حتى لا تنشغلوا عن غاية الطريق، فالكلاب تعوي والقافلة تسير (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) (فاطر:43).
وصلى الله وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
خطورة العلماء:
لقد
أدرك المنافقون العلمانيون الكارهون للحق -أخزاهم الله- أنه لا يمكن أن
تقوم لهم قائمة وللعلماء شأن وهيئة وهيبة في البلاد، فأخذوا في النيل من
العلماء وشرعوا في تشويه صورتهم، وتحطيم قيمتهم بالدس واللمز والافتراء
والاختلاق، فهم أشد الناس أكلاً للحوم العلماء؛ لما في قلوبهم من الدغل
والمعاداة لورثة الأنبياء.
فصار
العلماء هم العقبة الكؤود أمام المنافقين ومخططات الأعداء، فهم يمثلون أشد
الخطورة عليهم، فالعلماء مكمن خطر متفق عليه بين عقلاء البشر لا ينازع في
ذلك إلا من سُلب عقله أو فقد لبَّه، وكيف لا؟! وهل أزعج الملوك والأمراء
والسلاطين والحكام إلا العلماء؟ فهم غصة في حلق كل حاكم غير محكِّم لشرع
الله، هم أسد الغابة في ساح الوغى، تشل أيديهم ولا تجف أقلامهم، تكبل
أيديهم وأرجلهم بسلاسل الأغلال ولا تقيد ألسنتهم عن المقال، هم صمام أمان
الأمة؛ نشروا التوحيد في ربوع المعمورة فأغضبوا من نادوا بمساواة الشرك
بالتوحيد، أعلنوها مدوية أن الله واحد أحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم
يكن له كفوًا أحد، فأرَّقوا من دعا إلى التسوية بين قائل بالتثليث وعبادة
المسيح وبين قائل بإفراد الله بالعبودية، قالوا: "إن الحكم إلا لله"
فأزعجوا من قالوا: "الحكم للعلمانية!".
إن خطورة العلماء متمثلة في مداهمة أهل الباطل في كل زمان، لقد كان موسى -عليه السلام- وهو النبي الرسول يمثـِّل خطرًا عظيمًا حين قال الملأ لفرعون: (أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ) (الأعراف:127)، فموسى عندهم هو المفسد في الأرض، لكن هذه الكلمة كانت ستارًا يخفون وراءه ما تكن قلوبهم من علمهم أنه على الحق (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) (النمل:14).
لقد
علموا جيدًا أن موسى -عليه السلام- على الحق، لكن حتى يسودوا سيرته قلبوا
الموازين، فقالوا: ما جاء به موسى هو الإفساد في الأرض؛ لأنه يمثل الخطر
على كرسي الملك، فكل من سلك طريق الحق هو الخطر الذي يزعج أهل الباطل.
إن خطورة العالم على الحاكم غير المحكِّم لشرع الله في إظهاره لدينه واعتزازه به، ومجابهة الباطل وقادة الكفر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَحْمِلُ
هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلْفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ
الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).
فالعالِم
لا تلين قناته ولا تهن عزيمته، يعلن كلمة الحق وإن توعده الحاكم ورصد له
المراصد، حالهم وحال الطاغوت الحاكم كحال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع
أبي جهل بن هشام حين قام يصلي عند مقام إبراهيم، فمر به أبو جهل فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا؟! وتوعده، فما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن أغلظ له القول وانتهره.
لقد امتثل العلماء قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا
لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا
رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلا يُبَاعِدُ
مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)،
فصدعوا بالحق قائلين بقول أبي ذر -رضي الله عنه- عندما دخل في الإسلام:
"والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم"، فكان سيفًا للحق أمام الباطل
حين أنفذ وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- له قائلاً: "وَأَوْصَانِي أَنْ
لا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَأَوْصَانِي أَنْ أَقُولَ
الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا" (رواه الطبراني وابن حبان، وصححه الألباني)، وعندها مدحه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
لقد أخذ الله على العلماء الميثاق أن يبينوه -العلم- للناس ولا يكتمونه، قال -تعالى-: (وَإِذْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ
وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا".
وقال القرطبي -رحمه الله-: "قال الحسن وقتادة: هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب فمن علم شيئًا فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة"، وقال محمد بن كعب: "لا يحل لعالم أن يسكت على علمه".
صورة من خطورة العلماء:
وصدع
العلماء بالحق هو ما جعلهم أعظم ممثلي الخطر على الحكام والسلاطين، حكى
التاريخ موقف "العز بن عبد السلام" -سلطان العلماء- مع الملك الصالح
"إسماعيل"،
وكان الملك الصالح إسماعيل يتولى الشام وبسبب خلاف بينه وبين أبناء عمه
تنازل للنصارى عن بعض الحصون، فلما خطب العز بن عبد السلام في جامع بني
أمية بدمشق يوم الجمعة كان مما قاله: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز
فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن
المنكر".
وأفتى
الناس بعدم جواز بيع الأسلحة للنصارى الذين أخذوا يشترونها من دمشق فغضب
الملك، وسجن العز بن عبد السلام، ثم أرسل الملك إلى العز في السجن أحد
أعوانه وحاشيته، فقال له: أنا سأتوسط لك عند الملك ليخرجك، ولكني أريد منك
شيئًا واحدًا فقط وهو أن تعتذر إلى الملك وتقبل رأسه، فقال العز: دعك عني،
والله لا أرضى أن يقبل السلطان يدي -عافاني الله مما ابتلاكم به-، يا قوم
أنا في وادٍ وأنتم في واد".
وذهب
الملك لمقابلة قادة النصارى فأخذ معه العز بن عبد السلام وسجنه في خيمة،
وبينما كان الملك جالسًا مع النصارى إذا بالعز يقرأ القرآن ويصل صوته
إليهم، فقال الملك: أتدرون من هذا الذي تسمعون؟ قالوا: لا، قال: هذا من
أكبر قساوستنا -ولم يقل: علمائنا-، أتعلمون لماذا سجنته؟ قالوا: لا، قال:
لأنه أفتى بعدم جواز بيع السلاح لكم، فقال النصارى: والله لو كان هذا
قسيسًا عندنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها، فخجل الملك وأطرق وأمر بالإفراج
عن العز بن عبد السلام.
موقف الشيخ "محمد الخضر حسين" شيخ الأزهر مع "محمد نجيب": عندما قامت الثورة في مصر قال محمد نجيب: سنساوي الرجل بالمرأة! فاتصل به الشيخ "محمد
الخضر حسين" وقال له: إما أن تتراجع عن قولك أو لأخرجن غدًا لابسًا كفني
ومعي جميع الأزهريين في الشوارع، فإما الحياة وإما الموت، فجاءه محمد
نجيب وجاءته الوزارة مرددين: يا شيخنا يا إمامنا، نحن نعتذر منك والكلام
كان خطأ، فقال الشيخ: لا تعتذروا إليَّ وإنما أعلنوا الاعتذار للعامة،
فقالوا: صعب جدًّا أن نعتذر أمام العامة، فقال: إما أن تعتذر يا محمد نجيب أمام الناس عن كلامك وتنفيه أو سأخرج غدًا لابسًا كفني، فأعلن محمد نجيب من الغد أن الصحافة كذبت عليه، وأنه لم يقل شيئًا مما نشر عنه!
وهكذا
كانت خطورة العالم على الحاكم في رد أقواله وتصرفاته، وجرأة العالم بالحق
وصدعه به أخافت حاكم السوء من عواقب الباطل فصارت تلكم خطورة العالم التي
من أجلها روج المنافقون قالة السوء، وساعدهم عليها الحاقدون.
ما وراء الطعن في العلماء:
وبعد
معرفة خطورة العالم يظهر ما وراء الطعن في العلماء، فخلف أستار الطعن مآرب
أخرى فتسليط الأعداء سهامهم على العلماء لا لأنهم يبغون بذلك جسد العالم،
وإنما يبغون دعوته وفكره ومنهاج حياته؛ تلك هي الدماء التي تجري في عروق
العالم.
قال العلامة بكر أبو زيد -رحمه الله-: "إذا جُرح شهود الشرع جُرح المشهود به" (تصنيف الناس بين الظن واليقين)، "إن القدح بالحامل يفضي إلى قدح ما يحمله من الشرع والدين؛ ولهذا أطبق العلماء على أن من أسباب الإلحاد: القدح في العلماء" (الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام).
"إن جرح العالم ليس جرحًا شخصيًّا كأي جرح في رجل عامي، لكنه جرح بليغ الأثر يتعدى الحدود الشخصية إلى رد ما يحمله العالم من الحق" (لحوم العلماء مسمومة).
الطعن في العلماء ومخططات اليهود:
وبالطعن
في العلماء تمرر مخططات الأعداء، ففي مخطط من مخططات اليهود في أحد
بروتوكولاتهم: "وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين في أعين
الناس -ويعنون برجال الدين: العلماء من غير اليهود-، وبذلك نجحنا في
الإضرار برسالتهم التي يمكن أن تكون عقبة كؤودًا في طريقنا، وإن نفوذ رجال
الدين على الناس ليتضاءل يومًا فيومًا".
وأخيرًا: إلى آكلي لحوم العلماء... وإلى العلماء:
إلى الطاعنين في العلماء... وإلى مروجي قالة السوء، لقد وفيتم لأعدائكم وتربصتم الدوائر ومكرتم بعلمائكم: (وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10).
اقرؤوها وعُوها!
عن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: "كفى بالمرء شرًّا أن لا يكون صالحًا وهو يقع في الصالحين".
وإلى العلماء من أهل السنة والجماعة:
أنتم
جبل صخر إن كان في البحر افترقت عنده أعظم الأمواج العاتية وظل هو تليد،
وإن كان في البر واهتزت الأرض كان هو راسٍ للأرض أن تميد، إن رآه الناس
بأعينهم أشاروا إليه من بعيد وإن لم يروه علموا أنه مَعْلم الطريق، فمن
ابتلي من أهل العلم بالطعن فأوصيه -مذكرًا لا معلمًا- بالاستعانة بالله
والصبر والتقوى، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ
اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128)، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90).
أراد الله أن يسمع مزيد دعائكم: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (القمر:10)، وكثرة ذكركم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45)، ولا تصغوا بآذانكم إلى نباح الكلاب حتى لا تنشغلوا عن غاية الطريق، فالكلاب تعوي والقافلة تسير (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) (فاطر:43).
وصلى الله وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف