كيف لنبي الرحمة أن يهدر دماء رجال من قريش في فتح مكة؟
شبهة فتح مكة وإهدار الدماءسؤال يردده المشككون في رحمة النبي صلى الله عليه وسلم.. وفي الإجابة عليه يجب أن يعرف أصحابه أولاً سبب هذه الغزوة (فتح مكة)..
والأمر الجَليُّ هو أن قريشًا قد غدرت بصلح الحديبية ونقضت هذا الصلح، وذلك حينما أغار رجال منها مع بني بكر على خزاعة ليلاً، فأصابوا منهم رجالاً.. وكانت خزاعة قد دخلت في حلف رسول صلى الله عليه وسلم..
وهو ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرك بالجيش الإسلامي نحو مكة، ليكون الفتح العظيم بعد أكثر من عشرين سنة من الاضطهاد والتعذيب له ولأصحابه صلى الله عليه وسلم.. وحينها يجتمع القوم الذين لم يُدركوا قيمة (العظيم) الذي كان يعيش بينهم..
ويتوقع الجميع يومًا داميًا يُنتقم فيه لآلام السنوات السابقة، ولدماء الشهداء الذين قتلتهم قريش، ويقف المتكبرون من أهل قريش في ذلة وصَغار أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون حُكمًا رادعًا بقتلٍ أو نفيٍ أو استرقاق..
وهنا يتساءل الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم في رقَّةٍ وتلطفٍ وتواضعٍ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُم؟" قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وابْنُ أَخٍ كَرِيم. قال: "اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"!![1]
هكذا.. دون عتاب أو لوم أو تقريع!!
وإنه لمن أعجب مواقف التاريخ حقًّا!!
وقد تعجَّب الأنصار من هذا البِرِّ وتلك السماحة والرحمة غير المسبوقة، فقال بعضهم لبعض: "أمَّا الرجل[2] فأدركته رغبةٌ في قريته، ورأفةٌ بعشيرته[3]!!"
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عَهِدَ إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم بدخول مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سمَّاهم بقتلهم، وإن وُجِدُوا تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح، وعبد العزى بن خطل، وعكرمة بن أبى جهل، ومقيس بن صبابة، وقينتا ابن خطل كانتا تغنيان ابن خطل بهَجْوِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسارة مولاة لبنى عبد المطلب.
فكان هؤلاء جميعًا أشد عداوة وبُغضًا للإسلام وللمسلمين ولسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا شديدي الأذى له بمكة..
فأما ابن أبي سرح فكان قد أسلم وكتب الوحي ثم ارتد، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأهدر دمه فَرَّ إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان أخاه من الرضاعة، فلما جاء به ليستأمن له صمت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "نعم"، وعفا عنه.
وأما عبد الله بن خطل فكان مسلمًا، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا[4]، وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى له مسلمٌ يخدمه، فغضب عليه غضبةً فقتله، ثم ارتد مشركًا، وكان له قينتان، فكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ فلهذا أهدر دمه ودم قينتيه، فقُتِلَ، وقُتِلت إحدى قينتيه واستُؤْمِن للأخرى.
وأما مقيس بن صبابة فكان قد قتل قاتل أخيه خطأ بعد ما أخذ الدية، ثم ارتد مشركًا.
وأما سارة مولاة لبني عبد المطلب ولعكرمة بن أبى جهل، فكانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى بمكة، فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمها، فهربت حتى استؤمن لها منه صلى الله عليه وسلم فأمَّنها فعاشت إلى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأما عكرمة بن أبى جهل فهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، واستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمَّنه، فذهبت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وحَسُن إسلامه، وكان يُعَدُّ من فضلاء الصحابة[5].
ومن هذا يتبين لنا كرم أخلاق سيد الخلق وإمام المرسلين ورحمة العالمين محمد صلى الله عليه وسلم.. فقد أُوذِيَ من هؤلاء وغيرهم أشد الأذى، ولكن عفا عن معظمهم وكانت كلمته صلى الله عليه وسلم التي سجلها التاريخ: "اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ" أروع مثل لعفوه وسماحته ورحمته صلى الله عليه وسلم..
[1] ابن هشام: السيرة النبوية 2/ 411، وابن القيم: زاد المعاد 3/ 356، والسهيلي: الروض الأنف 4/ 170، وابن كثير: السيرة النبوية 3/ 570، وكذلك ابن حجر: فتح الباري 8/ 18، وقال الألباني: سنده ضعيف مرسل.
[2] يقصدون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
[3] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة (1780)، وأحمد (10961)، وابن حبان (4760).
[4] مُصَدِّقًا: أي جابيًا للصدقات.
[5] ابن سيد الناس: عيون الأثر2/ 236، ابن كثير: السيرة النبوية3/563
شبهة فتح مكة وإهدار الدماءسؤال يردده المشككون في رحمة النبي صلى الله عليه وسلم.. وفي الإجابة عليه يجب أن يعرف أصحابه أولاً سبب هذه الغزوة (فتح مكة)..
والأمر الجَليُّ هو أن قريشًا قد غدرت بصلح الحديبية ونقضت هذا الصلح، وذلك حينما أغار رجال منها مع بني بكر على خزاعة ليلاً، فأصابوا منهم رجالاً.. وكانت خزاعة قد دخلت في حلف رسول صلى الله عليه وسلم..
وهو ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرك بالجيش الإسلامي نحو مكة، ليكون الفتح العظيم بعد أكثر من عشرين سنة من الاضطهاد والتعذيب له ولأصحابه صلى الله عليه وسلم.. وحينها يجتمع القوم الذين لم يُدركوا قيمة (العظيم) الذي كان يعيش بينهم..
ويتوقع الجميع يومًا داميًا يُنتقم فيه لآلام السنوات السابقة، ولدماء الشهداء الذين قتلتهم قريش، ويقف المتكبرون من أهل قريش في ذلة وصَغار أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون حُكمًا رادعًا بقتلٍ أو نفيٍ أو استرقاق..
وهنا يتساءل الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم في رقَّةٍ وتلطفٍ وتواضعٍ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُم؟" قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وابْنُ أَخٍ كَرِيم. قال: "اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"!![1]
هكذا.. دون عتاب أو لوم أو تقريع!!
وإنه لمن أعجب مواقف التاريخ حقًّا!!
وقد تعجَّب الأنصار من هذا البِرِّ وتلك السماحة والرحمة غير المسبوقة، فقال بعضهم لبعض: "أمَّا الرجل[2] فأدركته رغبةٌ في قريته، ورأفةٌ بعشيرته[3]!!"
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عَهِدَ إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم بدخول مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سمَّاهم بقتلهم، وإن وُجِدُوا تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح، وعبد العزى بن خطل، وعكرمة بن أبى جهل، ومقيس بن صبابة، وقينتا ابن خطل كانتا تغنيان ابن خطل بهَجْوِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسارة مولاة لبنى عبد المطلب.
فكان هؤلاء جميعًا أشد عداوة وبُغضًا للإسلام وللمسلمين ولسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا شديدي الأذى له بمكة..
فأما ابن أبي سرح فكان قد أسلم وكتب الوحي ثم ارتد، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأهدر دمه فَرَّ إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان أخاه من الرضاعة، فلما جاء به ليستأمن له صمت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "نعم"، وعفا عنه.
وأما عبد الله بن خطل فكان مسلمًا، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا[4]، وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى له مسلمٌ يخدمه، فغضب عليه غضبةً فقتله، ثم ارتد مشركًا، وكان له قينتان، فكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ فلهذا أهدر دمه ودم قينتيه، فقُتِلَ، وقُتِلت إحدى قينتيه واستُؤْمِن للأخرى.
وأما مقيس بن صبابة فكان قد قتل قاتل أخيه خطأ بعد ما أخذ الدية، ثم ارتد مشركًا.
وأما سارة مولاة لبني عبد المطلب ولعكرمة بن أبى جهل، فكانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى بمكة، فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمها، فهربت حتى استؤمن لها منه صلى الله عليه وسلم فأمَّنها فعاشت إلى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأما عكرمة بن أبى جهل فهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، واستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمَّنه، فذهبت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وحَسُن إسلامه، وكان يُعَدُّ من فضلاء الصحابة[5].
ومن هذا يتبين لنا كرم أخلاق سيد الخلق وإمام المرسلين ورحمة العالمين محمد صلى الله عليه وسلم.. فقد أُوذِيَ من هؤلاء وغيرهم أشد الأذى، ولكن عفا عن معظمهم وكانت كلمته صلى الله عليه وسلم التي سجلها التاريخ: "اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ" أروع مثل لعفوه وسماحته ورحمته صلى الله عليه وسلم..
[1] ابن هشام: السيرة النبوية 2/ 411، وابن القيم: زاد المعاد 3/ 356، والسهيلي: الروض الأنف 4/ 170، وابن كثير: السيرة النبوية 3/ 570، وكذلك ابن حجر: فتح الباري 8/ 18، وقال الألباني: سنده ضعيف مرسل.
[2] يقصدون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
[3] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة (1780)، وأحمد (10961)، وابن حبان (4760).
[4] مُصَدِّقًا: أي جابيًا للصدقات.
[5] ابن سيد الناس: عيون الأثر2/ 236، ابن كثير: السيرة النبوية3/563